السبت، 20 يونيو 2020

في هَدْيه صلى الله عليه وسلم في الحِمية:

 في هَدْيه صلى الله عليه وسلم في الحِمية:

الدواء كله شيئان: حِميةٌ وحفظ صحة.

 فإذا وقع التخليطُ، احتِيجَ إلى الاستفراغ الموافق، وكذلك مدارُ الطب كله على هذه القواعد الثلاثة.

والحِمية حِميتان: حِمية عمَّا يجلِبُ المرض، وحِمية عما يزيده، فيقف على حاله، فالأولى: حِمية الأصحاءِ.

 والثانية: حِمية المرضى.

 فإنَّ المريض إذا احتمى، وقف مرضُه عن التزايد، وأخذت القُوَى في دفعه.

 والأصل في الحِمية قوله تعالى: {وَإن كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً}[المائدة:6]، فَحَمَى المريضَ من استعمال الماء، لأنه يضرُّه.

وفي سنن ابن ماجه وغيره، عن أُمِّ المنذِر بنت قيس الأنصارية، قالت: دَخَلَ علىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علىّ، وعلىٌ ناقِهٌ من مرض، ولنا دوالى مُعلَّقة، فقام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها، وقام علىٌّ يأكل منها، فطفِقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلىٍّ: «إنك ناقِةٌ» حَتَّى كفَّ.

 قالت: وصنعت شعيراً وسِلْقاً، فجئت به، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعلىٍّ: «مِنْ هذا أَصِبْ، فإنه أنفعُ لَكَ»، وفي لفظ فقال:«مِنْ هذا فَأصِبْ، فإنه أوفَقُ لَكَ».

وفي سنن ابن ماجه أيضاً عن صُهَيْبٍ، قال: قدمِتُ على النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبزٌ وتمرٌ، فقال: «ادْنُ فَكُلْ»، فأخذتُ تمراً فأكلتُ، فقال: «أتأكُلُ تمراً وبِكَ رَمَدٌ»؟ فقلت: يا رسول الله؛ أمضُغُ مِنَ الناحية الأخرى، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي حديث محفوظ عنه صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ إذا أحبَّ عبداً، حماه مِنَ الدُّنيا، كما يَحْمِى أحَدُكُم مريضَه عَنِ الطَّعَامِ والشَّرابِ".

وفي لفظ: «إنَّ اللهَ يَحْمِى عَبْدَه المؤمِنَ مِنَ الدُّنيا».

قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه ) حديث صحيح رواه الإمام أحمد رحمه الله. (1)

وأما الحديثُ الدائرُ على ألسنةِ كثير من الناس: «الحِميةُ رأسُ الدواءِ، والمَعِدَةُ بيتُ الداءِ، وعوِّدُوا كلَّ جسم ما اعتاد» فهذا الحديث إنما هو من كلام الحارث ابن كلَدَةَ طبيب العرب، ولا يصحُّ رفعُه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، قاله غيرُ واحد من أئمة الحديث. ويُذكر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنَّ المَعِدَةَ حوضُ البدن، والعُروق إليها واردةٌ، فإذا صحَّت المَعِدَةُ صدرت العروقُ بالصحة، وإذا سَقِمَتِ المَعِدَةُ، صدرت العروقُ بالسقم».  وهذا حديث ضعيف وباطل  ولا يصح نسبه الى النبى صلى الله عليه وسلم

 وقال الحارث: رأسُ الطِّبِّ الحِمية، والحِمية عندهم للصحيح في المضرة بمنزلة التخليط للمريض والنَّاقِه، وأنفعُ ما تكون الحِمية للنَّاقهِ من المرض، فإنَّ طبيعته لم ترجع بعدُ إلى قُوَّتها، والقوة الهاضمة ضعيفة، والطبيعة قابلة، والأعضاء مستعدة، فتخليطُه يُوجب انتكاسَها، وهو أصعب من ابتداءِ مرضه.

واعلم أنَّ في منع النبيّ صلى الله عليه وسلم لعلىٍّ من الأكل من الدَّوالى، وهو ناقِهٌ أحسنَ التدبير، فإنَّ الدَّوالىَ أَقْنَاءٌ من الرُّطَبُ تعُلَّقُ في البيت للأكل بمنزلة عناقيدِ العِنَب، والفاكهةُ تضرُّ بالناقِه من المرض لسُرعة استحالتها، وضعف الطبيعة عن دفعها، فإنها لم تتمكن بعد من قُوَّتها، وهى مشغولةٌ بدفع آثار العِلَّة، وإزالتها مِن البدن.

وفي الرُّطَبِ خاصةً نوع ثقلٍ على المَعِدَة، فتشتغل بمعالجتِه وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره، فإما أن تقف تلك البقية، وإما أن تتزايدَ، فلمَّا وُضع بين يديه السِّلْقُ والشعيرُ، أمره أن يُصيب منه، فإنه من أنفع الأغذية للناقِه، فإنَّ في ماء الشعير من التبريد والتغذية، والتلطيفِ والتليين، وتقويةِ الطبيعة ما هو أصلَح للناقِه، ولا سِيَّما إذا طُبِخَ بأُصول السَّلق، فهذا مِن أوفق الغذاء لمن في مَعِدَتِهِ ضعفٌ، ولا يتولَّد عنه من الأخلاط ما يُخاف منه.

وقال زيدُ بن أسلم: حَمَى عُمَرُ رضى الله عنه مريضاً له، حتى إنه من شدة ما حماه كان يَمَصُّ النَّوَى.

وبالجملة: فالحِمية من أنفع الأدوية قبل الداء، فتمنع حصولَه، وإذا حصل، فتمنع تزايدَه وانتشارَه

زاد المعاد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق