السبت، 20 يونيو 2020

فصل: [في تناولِ المريضِ ما تشتهيه نفسُه]:


ومما ينبغى أن يُعلم أنَّ كثيراً مما يُحمى عنه العليلُ والناقِه والصحيحُ، إذا اشتدت الشهوة إليه، ومالت إليه الطبيعة، فتناول منه الشىءَ اليسيرَ الذي لا تَعْجِزُ الطبيعةُ عن هضمه، لم يضرَّه تناوُله، بل ربما انتفع به، فإنَّ الطبيعة والمَعِدَة تتلقيانه بالقبول والمحبَّة، فيُصلحان ما يُخشى مِن ضرره، وقد يكون أنفعَ مِن تناول ما تكرهه الطبيعةُ، وتدفعهُ من الدواء، ولهذا أقرَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صُهَيْباً وهو أرمدُ على تناولِ التَّمَرَاتِ اليسيرة، وعلم أنها لا تَضُرُّه.
ومن هذا ما يُروى عن علىٍّ أنه دخل عَلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمَدُ، وبَيْنَ يَدَىْ النبيّ صلى الله عليه وسلم تمرٌ يأكلُه، فقال: «يا علىُّ؛ تشتهِيهِ؟» وَرَمَى إليه بتمرة، ثم بأُخرى حَتَّى رَمَى إليه سَبْعاً، ثم قال: «حَسْبُكَ يا علىٌ».
ومن هذا ما رواه ابن ماجه في سننه من حديث عِكْرِمَةَ، عن ابن عباس، أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عادَ رَجُلاً، فقال له: «ما تَشتَهِى»؟ فقال: أشتَهِى خُبْزَ بُرٍّ وفي لفظٍ: أشتَهِى كَعْكَاً فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «مَن كانَ عندَهُ خُبزُ بُرٍّ، فَليبعَثْ إلى أخيه»، ثم قال: «إ ذا اشتَهَى مريضُ أحدِكَم شيئاً، فَلْيُطْعِمْهُ».
ففي هذا الحديث سرٌ طبىٌ لطيف، فإنَّ المريضَ إذا تناول ما يشتهيه عن جُوع صادق طبيعى، وكان فيه ضررٌ ما، كان أنفعَ وأقلَّ ضرراً مما لا يشتهيه، وإن كان نافعاً في نفسه، فإنَّ صِدْق شهوتِهِ، ومحَبَة الطبيعة يدفع ضررَه، وبُغض الطبيعة وكراهتها للنافع، قد يَجْلِبُ لها منه ضرراً.
وبالجملة: فاللذيذُ المشتَهَى تُقبِلُ الطبيعةُ عليه بعناية، فتهضِمُه على أحمَدِ الوجوه، سِيَّما عند انبعاثِ النفس إليه بصدْقِ الشهوة، وصحةِ القوة.. والله أعلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق