الأربعاء، 6 مايو 2020

ان النفس امارة بالسوء

 قال تعالي ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) من سورة يوسف- آية (53)

هذا القول من تمام كلام امرأة العزيز؛ وكأنها توضح سبب حضورها لهذا المجلس؛ فهي لم تحضر لتبرىء نفسها: 
{إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ ... } [يوسف: 53] .
 ومجيء قول الحق سبحانه المؤكِّد أن النفس على إطلاقها أمَّارة بالسوء؛ يجعلنا نقول: إن يوسف أيضاً نفس بشرية. وقد قال بعض العلماء: إن هذا القول من كلام يوسف، كردٍّ عليها حين قالت: {أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين} [يوسف: 51 - 52] . 

وكان من المناسب أن يرد يوسف عليه السلام بالقول: {وَمَآ أُبَرِّىءُ نفسي إِنَّ النفس لأَمَّارَةٌ بالسواء إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي} [يوسف: 53] .

 ويمكن أن يُنسب هذا القول إلى يوسف كَلَوْنٍ من الحرص على ألاَّ يلمسه غرور الإيمان، فهو كرسول من الله يعلم أن الله سبحانه هو الذي صرف كيدهُنَّ عنه. 

وهذا لَوْن من رحمة الله به؛ فهو كبشر مُجرّد عن العصمة والمنهج من الممكن أن تحدث له الغواية؛ لكن الحق سبحانه عصمه من الزَّلَل. 

ومن لُطْف الله أن قال عن النفس: إنها أمَّارة بالسوء؛ وفي هذا توضيح كافٍ لطبيعة عمل النفس؛ فهي ليستْ آمرةً بالسوء، بمعنى أنها تأمر الإنسان لتقع منه المعصية مرة واحدة وينتهي الأمر.

 لا، بل انتبه أيها الإنسان إلى حقيقة عمل النفس

 فهي دائماً أمَّارة بالسوء
 وأنت تعلم أن التكليفات الإلهية كلها إمَّا أوامر أو نَوَاهٍ، وقد تستقبِل الأوامر كتكليف يشقُّ على نفسك

 وأنت تعلم أن النواهي تمنعك من أفعال قد تكون مرغوبة لك، لأنها في ظاهرها ممتعة، وتلبي نداء غرائز الإنسان. ولذلك يقول المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «حُفَّتْ الجنة بالمكاره، وحُفَّتْ النار بالشهوات» .

 أي: أن المعاصي قد تُغريك، ولكن العاقل هو من يملك زمام نفسه، ويُقدِّر العواقب البعيدة، ولا ينظر إلى اللذة العارضة الوقتية؛ إلا إذا نظر معها إلى الغاية التي توصله إليها تلك اللذة؛ لأن شيئاً قد تستلِذُّ به لحظة قد تَشْقى به زمناً طويلاً. ولذلك قلنا: إن الذي يُسرف على نفسه غافل عن ثواب الطاعة وعن عذاب العقوبة، ولو استحضر الثواب على الطاعة، والعذاب على المعصية؛ لامتنع عن الإسراف على نفسه. 

ولذلك يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن»

تحدث المعاصي وقت الغفله
إذن: فلحظة ارتكاب المعصية نجد الإنسان وهو يستر إيمانه؛ ولا يضع في باله أنه قد يموت قبل أن يتوبَ عن معصيته، أو قبل أن يُكفِّر عنها. 

ويخطيء الإنسان في حساب عمره؛ لأن أحداً لا يعلم ميعاد أجله؛ أو الوقت الذي يفصل بينه وبين حساب الموْلَى عَزَّ وجَلَّ له على المعاصي. 

وكل مِنَّا مُطَالب بأن يضع في حُسْبانه حديث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «الموت القيامة، فمَنْ مات فقد قامت قيامته» . 

ولنا أسوة طيبة في عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وهو الخليفة الثالث لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، الذي كان إذا وقف على قبر بكى حتى تبتلَّ لحيته، فسُئِل عن ذلك؛ وقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي إذا وقفتَ على قبر؟

 فقال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول:

 «إن القبر أول منازل الآخرة، فإنْ نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه، وإن لم يَنْجُ منه، فما بعده أشد» .

 لذلك فلا يستبعد أحد ميعاد لقائه بالموت. 
وتستمر الآية: {إِلاَّ مَا رَحِمَ ربي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [يوسف: 53] . 

@ ونعلم أن هناك ما يشفي من الداء من دواء أو غيره(العلاج)
@  وهناك ما يُحصِّن الإنسان و يعطيه مناعة أن يصيبه الداء (الوقاية )

والحق سبحانه غفور، بمعنى أنه يغفر الذنوب، ويمحوها، والحق سبحانه رحيم، بمعنى أنه يمنح الإنسان مناعة، فلا يصيبه الداء، فلا يقع في زلة أخرى. 

والحق سبحانه هو القائل: {وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] . 

فساعةَ تسمع القرآن فهو يشفيك من الداء الذي تعاني منه نفسياً ويُقويَّ قدرتك على مقاومة الداء؛ ويُفجِّر طاقات الشفاء الكامنة في أعماقك. 

وهو رحمة لك حين تتخذه منهجاً، وتُطبِّقه في حياتك؛ فيمنحك مناعة تحميك من المرض، فهو طِبّ علاجيّ وطبّ وقائيّ في آنٍ واحد. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق