الاثنين، 11 مايو 2020

الاقتصاد في الأكل نجاة والاسراف مهلكه

حكي أن الرشيد جمع أربعة أطباء: هندي، ورومي، وعراقي، وسوادي. 
وقال ليصف كل واحد منكم الدواء الذي لا داء فيه. فقال الهندي: الدواء الذي لا داء فيه عندي هو الإهليلج الأسود. وقال العراقي: هو حب الرشاد الأبيض
 وقال الرومي هو عندي الماء الحار.
 وقال السوادي -وكان أعلمهم- الإهليلج يعفص المعدة وهذا داء، وحب الرشاد يزلق المعدة وهذا داء، والماء الحار يرخي المعدة وهذا داء.

 قالوا: فما عندك? فقال الدواء الذي لا داء معه عندي أن لا تأكل الطعام حتى تشتهيه؛ وأن ترفع يدك عنه وأنت تشتهيه. 
فقالوا  له : صدقت
وهذا قول سيدنا علي رضي الله عنه لابنه الحسن وهو يعظه  فقال لا تجلس علي الطعام الا وانت جائع ولا تقم الا وانت تشتهية 
 وذكر لبعض الفلاسفة من أطباء أهل الكتاب قول النبي ﷺ "ثلث للطعام وثلث للشراب وثلث للنفس فتعجب منه وقال ما سمعت كلاماً في قلة الطعام أحكم من هذا وإنه لكلام حكيم. 
وقال الحارث بن كلدة الثقفي  "البطنة أصل لداء والحمية أصل الدواء وعودوا كل جسم ما اعتاد وأظن تعجب الطبيب جرى من هذا الخبر لا من ذاك.

 وقال ابن سالم: من أكل خبز الحنطة بحتا بأدب لم يعتل إلا علة الموت.
 قيل: وما الأدب?
 قال: تأكل بعد الجوع وترفع قبل الشبع. وقال بعض أفاضل 

الأطباء في ذم الاستكثار: إن أنفع ما أدخل الرجل بطنه الرمان وأضر ما أدخل معدته المالح؛ ولأن يقلل من المالح خير له من أن يستكثر من الرمان.

 وفي الصيام صحة وكبح لشهوة الجوع والبطن والفرج 

خفة المؤونة فإن من تعود قلة الأكل كفاه من الماء قدر يسير، والذي تعود الشبع صار بطنه غريماً ملازماً له آخذاً بمخفته في كل يوم، فيقول ماذا تأكل اليوم فيحتاج إلى أن يدخل المداخل، فيكتسب من الحرام فيعصي أو من الحلال فيذل. وربما يحتاج إلى أن يمد أعين الطمع إلى الناس وهو غاية الذل والقماءة والمؤمن خفيف المؤنة. وقال بعض الحكماء: إني لأقضي عامة حوائجي بالترك فيكون ذلك أروح لقلبي. وقال آخر: إذا أردت أن أستقرض من غيري لشهوة أو زيادة استقرضت من نفسي فتركت الشهوة فهي خير غريم لي. 
وكان إبراهيم ابن أدهم رحمه الله يسأل أصحابه عن سعر المأكولات فيقول إنها غالية فيقول: أرخصوها بالترك. وقال سهل رحمه الله: الأكول مذموم في ثلاثة أحوال، إن كان من أهل العبادة فيكسل، وإن كان مكتسباً فلا يسلم من الآفات وإن كان ممن يدخل عليه شيء فلا ينصف الله تعالى من نفسه.

 وبالجملة سبب هلاك الناس حرصهم على الدنيا، وسبب حرصهم على الدنيا البطن والفرج، وسبب شهوة الفرج، شهوة البطن. 

وفي تقليل الأكل ما يحسم هذه الأحوال كلها وهي أبواب النار وفي حسمها فتح أبواب الجنة كما قال ﷺ "أديموا قرع باب الجنة بالجوع" فمن قنع برغيف في كل يوم قنع في سائر الشهوات أيضاً وصار حراً واستغنى عن الناس واستراح من التعب، وتخلى لعبادة الله عز وجل وتجارة الآخرة، فيكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإنما لا تلهيهم لاستغنائهم عنها بالقناعة، وأما المحتاج فتلهيه لا محالة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق