الخميس، 7 مايو 2020

الدنيا والاخرة



 وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَـمُونَ 


من سورة العنكبوت- آية (64)

 وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ 


من سورة القصص- آية (60)

وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ

Chapter القصص Verse No 60تفسير الشعراوى

معنى: {مِّن شَيْءٍ ... } [القصص: 60] من أيِّ شيء من مُقوِّمات الحياة، ومن كمالياتها {فَمَتَاعُ الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا ... } [القصص: 60] فمهما بلغ هذا من السُّمو، فإنه متاع عمره قليل، كما قال سبحانه: {قُلْ مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ} [النساء: 77] . لذلك طلبنا منكم ألاَّ تنشغلوا بهذا المتاع، وألاَّ تجعلوه غايةً، لأن بقاءك فيها مظنون، ومتاعك فيها على قَدْر نشاطك وحركتك. وسبق أنْ قلنا: إن آفة النعيم في الدنيا إما أن يتركك أو تتركه، وأن عمرك في الدنيا ليس هو عمر الدنيا، إنما مدة بقائك أنت فيها، ومهما بلغتَ من الدنيا فلا بُدَّ من الموت. لذلك يدلُّنا ربنا - عَزَّ وجَلَّ - على حياة أخرى باقية مُتيقَّنة لا يفارقك نعيمها ولا تفارقه. {وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [القصص: 60] . {خَيْرٌ ... } [القصص: 60] لأن النعيم فيها ليس على قَدْر نشاطك، إنما على قَدْر الله وعطائه وكرمه، {وأبقى. .} [القصص: 60] لأنه دائم لا ينقطع، فلو قارن العاقل بين متاع الدنيا ومتاع الآخرة لاختار الآخرة. لذلك، فإن الصحابي الذي حدَّثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عن أجر الشهيد، وتيقَّن أنه ليس بينه وبين الجنة إلا أنْ يُقتل في سبيل الله، وكان في يده تمرات يأكلها فألقاها، ورأى أن مدة شغله بمضغها طويلة؛ لأنها تحول بينه وبين هذه الغاية، ألقاها وأسرع إلى الجهاد لينال الشهادة. لماذا؟ لأنه أجرى مقارنة بين متاع الدنيا ومتاع الآخرة. والحق - سبحانه وتعالى - حين يُجري هذه المقارنة بين الكفار وبين المؤمنين يقول: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين ... } [التوبة: 52] إما أن ننتصر عليكم ونُذلكم، ونأخذ خيراتكم، وإما ننال الشهادة فنذهب إلى خير مما تركنا {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ... } [التوبة: 52] . إذن: لا تتربصون بنا إلا خيراً، ولا نتربّص بكم إلا شراً. وفي موضع آخر قال سبحانه: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا والآخرة خَيْرٌ وأبقى} [الأعلى: 16 - 17] لذلك ذيَّل الآية هنا بقوله تعالى: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [القصص: 60] لأن العقل لو قارن بين الدنيا والآخرة لا بُدَّ أنْ يختار الآخرة. ثم يقول الحق سبحانه: {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ ... .} .--------------------------------------------------------------------------------

 أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْـمُحْضَرِينَ 


من سورة القصص- آية (61)


فإذا ما قارنت كل ذلك باسم الحياة التي نحياها الآن، إنّ اسمها «الدنيا» أي «السفلى» ومقابل «الدنيا» هو «العليا» وهي الحياة في الآخرة.
 ولماذا هي «عليا» ؟ لأنها ستصعد الخير
. فبعد انقضاء هذه الحياة المحدودة يذهب المؤمن إلى الجنة وبها حياة غير محدودة، وهذا أول تصعيد. ويضمن المؤمن أن أكلها دائم لا ينقطع.
 ويضمن المؤمن أنه خالد في الجنة فلا يموت فيها.
 ويضمن المؤمن قيمة هذه الجنة؛ لأن الخير إنما يأتي على مقدار معرفة الفاعل للخير. 
ومعرفة الإنسان للخير جزئية محدودة، ومعرفة الله للخير كمال مطلق. 
فالمؤمن في الآخرة يتنعم في الخير على مقدار ما علم الله من الخير. 
إذن فحياتنا هي الدنيا، أي السفلى، وهناك الآخرة العليا. 
فإذا طلب المنهج منا ألاّ ننخدع بالدنيا، وألاّ ننقاد إلى المتاع فهل هذا لون من تشجيع الحب للنفس أو تشجيع للكراهية للنفس؟
 إنه منهج سماوي يقود إلى حب النفس؛ لأنه يريد أن يُصَعِّد الخير لكل مؤمن، لقد بيّن المنهج أن في الدنيا ألوانا من المتع هي كذا وكذا وكذا، والدنيا محدودة ولا تدوم لإنسان، ولا يدوم إنسان لها، وإمكانات الإنسان في النعيم الدنيوي محدودة على قدر الإنسان، أما إمكانات النعيم في الآخرة فهي على قدر قدرة الخالق المربي، فمن المنطقي جدا أن يقول الله لنا: {ذلك مَتَاعُ الحياة الدنيا والله عِنْدَهُ حُسْنُ المآب} .
 وحسن المآب تعني حسن المرجع. والحق حينما طلب منك أيها المؤمن أن تغض بصرك عما لا يحل لك، فقد يظن الإنسان السطحي أن في ذلك حجراً على حرية العين، ولكن هذا الغض للبصر أمر به - سبحانه - إنما ليملأ العين في الآخرة بما أحل الله، إذن فهذا حب من الله للمخلوق وهذا تصعيد في الخير. ولنفترض أن معك مبلغا قليلا من المال وقابلت فقيرا مسكينا فآثرت أنت هذا الفقير على نفسك، فأنت تفعل ذلك لتنال في الآخرة ثوابا مضاعفا. إذن فقضية الدين هي أنانية عالية سامية، لا أنانية حمقاء. 

 وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ 


من سورة العنكبوت- آية (58)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق