قال تعالي ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)
سورة طه الاية رقم ١٢٣
أي: اهبطا من الجنة إلى الأرض ، وامضوا فيها على ضوء التجربة الماضية، ولتعلموا أنكم لبعض عدو ، لا توجد بينكما مصالح مشتركة، العلاقة بينكما هي علاقة عداءٍ أبدية ،
واعلما أن علي الأرض ، أمراً ونهياً وعدواً يوسوس ويُزيِّن ويُغوِي حتي يحقق وعده لله
مهمة الشيطان هو اغواء الانسان
قال تعالي (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17))سورة الاعراف
وقال تعالي (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62)) سورة الاسراء
أقسم عدوّ الله، فقال لربه: لئن أخرت إهلاكي إلى يوم القيامة ( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا )يقول: لأستولين عليهم، ولأستأصلنهم، ولأستميلنهم يقال منه: احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم أو غير ذلك
وكأن الله عَزَّ وَجَلَّ يعطي آدم المناعة الكافية له ولذريته من بعده لتستقيم لهم حركة الحياة في ظل التكاليف
والتكاليف إما أمر وإما نهي، والشيطان هو الذي يفسد علينا هذه التكاليف.
قال تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)) سورة النور
وأنزل الله المنهج علي بني أدم بالأوامر والنواهي وأنزل لكل أمة منهج هدايه لهم ودستورا يهتدون به، وقانونا منظما لتكليفاتهم ومحذرهم من الشيطان والنفس .
قال تعالي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168)) سورة البقرة
والشيطان طرفا في المعركة الأزلية ، ومع ذلك لا ننسى طَرَفاً آخر هو النفس الأمَّارة التي تحرك الإنسان نحو المعصية والمخالفة.
إذن: ليس عدونا الشيطان فحسب فنجعله شماعة نعلّق عليها كل معاصينا، فهناك مَعَاصٍ لا يدخل علينا الشيطان بها إلا عن طريق النفس
وإلا إبليس لما غوى؟ مَنْ أغواه؟ ومَنْ وسوس له؟
وقوله: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: 36]
أي: بعض عدو للبعض الآخر، وكلمة (بعض) لها دَوْر كبير في القرآن
والمراد: الإنسان عدو الشيطان ____ إنْ كان طائعاً لله ملتزم بالمنهج .
والشيطان عدوالإنسان إنْ كان طائعاً لله .
فإنْ كان الإنسان عاصياً فلا عداوةإذن بينهما؛ لأن الشيطان الانسان عاصياً.
والإنسان والشيطان عداوة مستمرة
ولا تصالح بينهما في سبيل الهدايه
ولا توافق بينهما ألا في الغواية
ولا مصالح مشتركة من البداية للنهاية
إذن من هم علي الطريق المستقيم لا مصالح بينهم ولا مصالح مشتركة .
واليكم المثال التالي
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ رواه مسلم (2018).
وهذا الحديث صريح في أن المسلم إذا دخل بيته من غير ذكر الله تعالى، دخل معه الشيطان، والظاهر أنه يدخل مع أتباع له، كما تشير جملة: قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ .
قال النووي رحمه الله تعالى:
" قوله: ( قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ ) معناه قال الشيطان لإخوانه وأعوانه ورفقته " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (13 / 190).
وروى أصحاب السنن عن عائشة("إذا أكل أحدُكُم فليذكُرِ اسمَ الله، فإن نَسِيَ أن يَذكُرَ اسمَ الله في أوَّلِه فليقُلْ: باسم الله أوَّلَهُ وآخِرَهُ")) قال الترمذي حسن صحيح
عن أميةَ بن مَخشيٍّ - وكان مِن أصحابِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلم - قال: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - جالساً ورجلٌ يأكُلُ، فلم يُسَمِّ حتَّى لم يَبْقَ من طعامِهِ إلا لُقمةٌ، فلما رفعَها إلى فيه قال: باسم الله أولَه وآخرَه، فضحك النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلم- ثم قال: ما زالَ الشيطانُ يأكلُ معَه، فلما ذَكرَ اسمَ الله استقاءَ ما في بَطنِهِ" .هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد والطحاوي وصححه الحاكم
بعضكم لبعض عدواً أي:
آدم مطمور فيه ذريته، وإبليس مطمور فيه ذريته، فَمنْ سيكون. الحَكَم؟
الحَكَم بينهما منهج الله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى} [طه: 123]
فإياكم أنْ تجعلوا المنهج والهدي من عندكم؛ لأن الهدى إنْ كان من الانسان ،قاصر العلم والقدرة فلن ينفع ولن يفلح ولكن اتباع هدي ومنهج الله نتيجتة الإستقامة والفلاح .
قال تعالي {فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى} [طه: 123] فكأن هدى الله ومنهجه هو (كتالوج) سلامة الإنسان وقانون صيانته ليحمي الله صنعته ويضمن له رفاهيته في الدنيا وجنه الخلد في الأخرة .
ألاَ نرى الصناع من البشر حين يرفقون بصنعتهم (كتالوجاً) يضم تعليماتهم عن تشغيلها وصيانتها، فإن اتبعنا هذه التعليمات خدمتْنا هذه الآلآت وأدَّتْ لنا مهمتها دون تعطّل.
الخالق عَزَّ وَجَلَّ يضع لخَلْقه قانونهم وهَدْيَهم
فإنْ وضعه آخر فهذا افتئات على الله عَزَّ وَجَلَّ، وكما لو ذهبتَ إلى الجزار تقول له: ضَعْ لي التعليمات اللازمة لصيانة (الميكروفون) !!
إذن: الفساد في الكون يحدث حينما نخرج عن منهج الله، ونعتدى على قانونه وتشريعه، ونرتضي بهَدْي غير هَدْيه؛ لذلك يقول تعالى بعدها: {فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يشقى} [طه: 123] هذه نتيجة مَنِ اتبع هدى الله والعكس في البعد عن هدي الله فيه شقاء في الدنيا والأخرة
اذن لامصالح بين الإنسان والشيطان الا في طريق الشر
قال تعالي في سورة الإسراء
(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27))
{إِخْوَانَ الشياطين. .} [الإسراء: 27] أي: أن الحق تبارك وتعالى جعلهما شريكين في صفة واحدة هي التبذير والإسراف
فإنْ كان المبذّر قد أسرف في الإنفاق ووَضْع المال في غير حِلِّه وفي غير ضرورة.
فإن الشيطانَ أسرف في المعصية، فلم يكتفِ بأن يكون عاصياً في ذاته، بل عدّى المعصية إلى غيره وأغوى بها وزيّنها؛ لذلك وصفه الحق سبحانه بقوله: {وَكَانَ الشيطان لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء: 27] ليس كافراً فحسب، بل (كفور) وهي صيغة مبالغة من الكفر؛ لأنه كَفر وعمل على تكفير غيره
وإذا كان طريق الشيطان والإنسان واحد ، وتوائمت مصالهم، بعد الإنسان عن الهدي واستحق من الله العقاب .
قال تعالي (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) سورة طه
معيشة ضنكا : ضيّقة شديدة
والإعراض: هو الانصراف عما أنزله الله من المنهج ، البعد عن التكليفات ، البعد عن الأوامر والنواهي وتجاهلها والإعراض عنها ، وباللغة الدراجه أن نتجاهل التكليف وأن نعطيه عَرْض أكتافنا وقوله تعالي : {مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه: 124] الضنْك هو الضيق الشديد الذي نحاول أنْ نفلتَ منه هنا أو هناك فلا نستطيع، والمعيشة الضَّنْك هذه تأتي لمَنْ أعرض عن الله، لأن مَنْ آمن بإله إنْ عَزَّتْ عليه الأسباب لا تضيق به الحياة أبداً؛ لأنه يعلم أن له ربّاً يُخرِجه مما هو فيه وإن تعسرت فإنه يعلم أن هناك وعد من الله بأن بعد العسر يسر قال تعالي في سورة الشرح (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)) .
إذن المعرضون توعدهم الله بالضيق والخوف والحزن وضمن عكس ذلك لمن يتبعون المنهج .
قال تعالي (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)) سورة البقرة
المؤمن المتبع للمنهج ، في أمانٍ من الخوف والحزن لأن معه منهج مستقيم يطمئنه علي كل أحواله،
و أما غير المؤمن فحينما تضيق به الأسباب وتُعجِزه لا يجد مَنْ يلجأ إليه فيقنت ويعيش في حزن أو يعتقد أن الراحه في إنهاء حياته فينتحر.
المؤمن يقول: لي ربٌّ يرزقني ويُفرِّج كَرْبي، كما يقول عَزَّ وَجَلَّ: {الذين آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب} [الرعد: 28] .
لذلك المؤمنون يقولون: لا كَرْب وأنت رَبٌّ
وإذا كان الولد لا يحمل هَمّاً في وجود أبيه فله أبٌ يكفيه متاعب الحياة ومشاقها، فلا يدري بأزمات ولا غلاء أسعار، ولا يحمل هَمَّ شيء
وصاحب السلطه يكفي ذويه
فما بالُكَم بمَنْ له رَبٌّ؟
وهو ملك الملوك ، يملك خزائن كل شئٍ ، وبيده كلَ شئٍ ولا يعجزه شيئاً
وسبق أنْ ضرب الشيخ الشعراوي مثلاً ولله المثل الأعلى، للتوضيح ببساطة.
قال رحمه الله : هَبْ أن معك جنيهاً ثم سقط من جيبك، أو ضاع منك فسوف تحزن عليه إنْ لم يكُنْ معك غيره،
فإنْ كان معك غيره فلن تحزن عليه،
فإن كان لديك حساب في البنك فكأن شيئاً لم يحدث.
وهكذا المؤمن لديه في إيمانه بربه الرصيد الأعلى الذي يُعوِّضه عن كل شيء.
والحق تبارك وتعالى أعطانا مثالاً لهذا الرصيد الإيماني في قصة موسى عليه السلام مع فرعون، حينما حُوصِر موسى وقومه بين البحر من أمامهم وفرعونَ بجنودهِ من خلفهم، وأيقن القومُ أنهم مُدْركون
ماذا قال نبي الله موسى؟ قال: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] ، يالله ، ما هذا اليقين الذي عليه نبي الله موسي ، كل هذه الأخطار ، وهذه الثقة .
فهكذا بملْء فيه يقُولُهَا قَوْلةَ الواثقِ ، مع أنها قَوْلة يمكن أن تكذب بعد لحظات، لكنه الإيمان الذي تطمئن به القلوب، والرصيد الذي يثِقُ فيه كُلُّ مؤمن.
إذن: مَنْ آمن بالله واتبع هُدَاه فلن يكون أبداً في ضَنْكٍ أو شِدَّة، فإنْ نزلت به شِدَّة فلن تُخرِج عَزْمَهُ عن الرضى، واللجوء إلى ربه. لأن الله فصل في الكتاب ،في المنهج ، كل شئ ،والمؤمن علي يقين برسائل ومنهجه ووعده
فحينما يبتلي ،يجد في وعد ربه عن الصبر ما يريح صدره ،
قال تعالي(وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)) سورة البقرة ،يعرف الحق سبحانه وتعالي أن هناك بعض الإبتلاءات في النعم ، ثم يبشر الصابرين، فيذهب الصابر إلي البشري ويضعف مع الشعور الإبتلاء
وأما المعرض عن الأيات وغير المؤمن يعيش الإبتلاء ،فيضيق صدره ويزداد المه ،فمن آيات الإعجاز القرآني في مسألة الضيق، قوله تعالى: {فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السمآء} [الأنعام: 125] .
فمن أين عرف محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن مَنْ يصعِّد في السماء يضيق صدره؟
وهل صَعَد أحد إلى السماء في هذا الوقت وجَرَّب هذه المسألة؟
ومعنى ضيق الصدر أن حيِّز الرئة التي هي آلة التنفس يضيق بمرض التهابي يعوق وظيفتها أو مجهود زائد أو غيره،
ألاَ تروا أننا لو صعدنا سُلَّماً مرتفعاً ننهج، معنى ذلك أن الرئة وهي خزينة الهواء لا تجد الهواء الكافي الذي يتناسب والحركة المبذولة، وعندها تزداد حركة التنفس لتُعوِّض نَقْص الهواء. والآن وبعد غزو الفضاء عرفنا مسألة ضيق التنفّس في طبقات الجو العليا مما يضطرهم إلى أخذ أنابيب الأكسجين وغيرها من آلات التنفس وحتي في السكان الذين يقطنون من المرتفعات من الجبال والتي ترتفع عن سطح البحر بمئات الكيلوات ،ينقص الأكسجين .
وختاما لا مصالح ولا تصالح مع الشياطين
وعداوهٌ دائمة إلي يومِ الدينِ
وإطمئنان بإذن الله الرحمن الرحيم
ونسأل الله الهداية ، ونستعيذ بهِ من الشيطان الرجيم
فالإستعاذة، تكفينا منه وتحمينا
فليس له علينا سلطانُ له علينا بالأثام يوغوينا
وفي الخطايا ،يوقعنا ويردينا
وعن الهدي يورينا ،
الا من اراد الضلال
فقد قال سبحانه وتعالي (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) سورة الحجر
فالهم اجعلنا من عبادك الصالحين ،الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ولا تحرمنا ،خواطر الفجر
قال تعالي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168)) سورة البقرة
معانى الكلمات
خطوات الشيطان : طُرُقُه و آثارُه و أعماله
إن من رحمة الله عَزَّ وَجَلَّ على عباده أنه لم يقصر الخطاب على الذين آمنوا ؛ وإنما وسع الدائرة لتشمل المؤمنين وغيرهم
فقال: {ياأيها الناس} فكأنه خلق ما في الأرض جميعا للناس جميعا، وهذا عطاء الربوبية لكل البشر، من آمن منهم ومن لم يؤمن، فهو سبحانه خلق كل الخلق، مؤمنهم وكافرهم، ومادام قد خلقهم واستدعاهم إلى الوجود فهو يوجه الخطاب لهم جميعا؛ مؤمنهم وكافرهم؛ وكأن الخطاب يقول للكافرين: حتى ولو لم تؤمنوا بالله، فخذوا من المؤمنين الأشياء الحلال واستعملوها لأنها تفيدكم في دنياكم؛ وإن لم تؤمنوا بالله
لأن من مصلحة كل الخلق أن يأكلوا الحلال الطيب
فالله لم يحرم إلا لعله، ولم يحلل إلا كل طيب يحفظ علي الإنسان صحتة .
هنا موقف يقفه كثير من الذين أسرفوا على أنفسهم، ويحبون أن تكون قضية الدين وقضية التحريم وقضية التحليل، قضايا كاذبة؛ لأنه لا ينجيهم أمام أنفسهم إلا أن يجدوا أشياء يكذبون بها الدين، لأنهم لم يستطيعوا أن يحملوا أنفسهم على مطلوبات الله، فلما لم يستطيعوا ذلك لم يجدوا منفذا لهم إلا أن يقولوا: إن قضايا الدين كاذبة بما فيها التحليل والتحريم. إنهم يقولون: مادام الله قد حرم شيئا فلماذا خلقه في الكون؟
. فأنت إذا رأيت شيئا محرما لا تقل لماذا خلقه الله، لأنك لا تعرف ما هي مهمته، فليست مهمة كل مخلوق أن يأكله الإنسان
إنما لكل مخلوق مهمة قد لا تشعر بأدائها في الكون.
وهذه مسألة نستعملها نحن في ذوات نفوسنا، على سبيل المثال؛ عندما يأتي الصيف ونخشى على ملابسنا الصوفية من الحشرات؛ فنأتي لها بما يقتل الحشرات، وهو «النفتالين»
ونحذر أبناءنا من عدم الاقتراب منه وأكله. إن «النفتالين» لا يؤكل، ولكنه مفيد في قتل الحشرات الضارة.
كذلك «الفينيك» نشتريه ونضعه في زجاجة في المنزل لنطهر به أي مكان ملوث، ونحذر الأطفال منه لأنه ضار لهم، ولكنه نافع في تطهير المنزل من الحشرات
وكذلك المخلوقات التي لا نعرف حكمة خلقها، لقد خلقها الله لمهمة خاصة بها، فلا تنقل شيئا من مهمته إلى مهمة أخرى.
فالخنزير حرمة الله ،فلا ينبغي أن نقول لماذا خلقه الله، فهو له مهمه ودور في هذه المنظومة فلم يخلق الله أي شيئا عبثا
وإذا كان الإنسان لم يدرك حتى الآن فائدة بعض المخلوقات، فما أكثر ما يجهل، وهو يكتشف كل يوم سرا من أسرار مخلوقات الله.
فقد أنشئ الله سبحانه وتعالي نظام بيئي متكامل
فليست كل النباتات تؤكل ، فمنها نباتات الظل ونباتات مولدة للأكسجين ونباتات منقية للمياه
وحتي الكائنات الدقيقه لها دور في التوازن البيئي وتقدم فائدة للإنسان بشكل غير مباشر
فليس كل ما يحتاجه الإنسان في هذه الحياة الأكل ،فهو بحاجة إلي الهواء والماء والبيئة الخارجية المتوازنة ،التي تعزز له هذه الإحتياجات
وايضا ليست كل الحيوانات تؤكل فقد كانوا ينظرون إلى نوع من السمك لا يتجاوز حجمه عقلة الإصبع؛ ولا يكبر أبدا، ومهمته تنقية المياه في الأماكن التي لا يقوم الإنسان بتنقيتها.
هكذا يخلق الحي القيوم مخلوقات لتحفظ مخلوقات أخرى
هو سبحانه نزل منهجاً للإنسان يقول : لا تأكل هذا وكل ذاك؛ لحكمة قد لا نعرفها.
مثال آخر، الطائر المعروف بأبي قردان صديق الفلاح، كانت وظيفته في الحياة أن يأكل الحشرات والديدان عند ري الأرض
ومنذ أن اختفى هذا الطائر بيتأثر المبيدات؛ استفحل خطر الديدان على الزرع وبخاصة دودة القطن والخضروات ، واضطر المزارعون للاسراف في استخدام المبيدات الحشرية ،مما أثر سلبا علي صحة الإنسان ،فانتشرت أمراض الكبد والكلي والامراض السرطانية .
إنها معادلة إلهية مركبة تركيبا دقيقا لحفظ التوازن في هذه المنظومة .
وكذلك الذباب، يتساءل بعض الناس «ما حكمة وجوده في الحياة؟»
وهم لا يعرفون أن الذباب يؤدي للإنسان دورا هاما هو أكل القاذورات وما بها من أمراض، ولو تحصن الناس بالنظافة لما جاءهم الذباب.
إذن، فكل شيء موجود في الوجود مرتب ترتيبا دقيقا وله دوراً يحفظ المنظومة في توازن ، إنه ترتيب خالق عليم حكيم
و مادام الحكيم هو الذي خلق؛ فلا يعترض أحد ويقول لماذا خلق كذا وكذا؟ ، لأن لكل مخلوق دوراً يؤديه في الكون.
ولذلك ينبه الخالق الناس مؤمنهم وكافرهم بأن يأكلوا الحلال الطيب من الأرض، وهو يقول للكافر؛ إنك إن تعقلت الأمور؛ لوجدت أن كل ما أمرتك به هو لصالحك، وحتى لو لم تؤمن فأنا أدلك على ما ينفع، فلا تأكل إلا الحلال الطيب
عندما يحرم الحق سبحانه وتعالى لحم الميتة، أي التي ماتت ولم تذبح، إن لحمها ضار بالصحة
لأن أوعية الدم في الحيوان وفي كل كائن حي هي وعاءان! إما أوردة وإما شرايين
والدم قبل أن يذهب إلى الكلى أو الرئة يكون دما فاسدا
ونحن عندما نذبح الحيوان يسيل منه الدم الفاسد وغير الفاسد ويخرج، ويصير اللحم خالصا، لكن الحيوان الذي لم يذبح؛ لم يذك، يعني لم يُطَهّر من فساد الدم، وهو ضار للإنسان.
والحق سبحانه وتعالى عندما يقول: {ياأيها الناس} فكأنه يدعو غير المؤمنين: لو عقلتم، لوجب أن تحتاطوا إلى حياتكم بألا تأكلوا إلا حلالا أحله الله للمؤمنين.
{وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشيطان} .
أي لا تسيروا وراء الشيطان
فالخطوة هي المسافة بين القدمين عند المشي، أي بين النقلة والنقلة، ولا تجعلوا الشيطان قائدكم؛
لأن الشيطان عداوته لكم مسبقة، ويجب أن تحتاطوا بسوء الظن فيه؛ فهو الذي عصى ربه؛ ولا يصح أن يطاع في أي أمر، {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}
وعداوة الشيطان للإنسان قديمة من أيام آدم.
قال تعالي في سورة يوسف ( قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ )سورة يوسف
ويقول الحق عن أوامر الشيطان: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بالسواء والفحشآء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ}
قال تعالي (إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) سورة البقرة
السوء هو الذنب الذي لا حد له مثل الغيبة والنميمة
والفحشاء هي كل ذنب فيه حد وفيه عقوبة.
قال تعالي (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)) سورة الأعراف
فلإسراف رغم انه يغضب الله سبحانه وتعالي ،الا أنه رحمة من الله لم يجعل لها حد ،وانما باب توبه والاقلاع عن هذه المعصية
قال تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (208)) سورة البقرة
قال تعالي(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)) سورة النور
(ولا تتبعوا خطوات الشيطان
قال بن القيم الجوزي رحمة الله
دَافع الخَطرة ؛ فإن لم تفعل ،صارت فكرة ،فدافع الفكرة ؛ فإن لم تفعل ،صارت شهوة ، فحاربها ، فإن لم تفعل ،صارت عزيمة وهمة ،فإن لم تدفعها ،صارت فعلاُ ، فإن لم تتداركه بضده ،صار عادة ،فيصعب عليك الانتقال عنها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق